كيف تأثرت موائد إفطار رمضان بانعدام الأمن الغذائي ؟
لطالما كان شهر رمضان مناسبة رائعة، يستمتع فيها الصائمون بالتجمعات العائلية ومآدب الإفطار الكبيرة المليئة بالأطباق الشهيرة الشهية.
لكن لم يعد هذا هو الحال في العديد من البلدان العربية، التي ابتليت بصراعات وأزمات سياسية واقتصادية وجائحة كورونا وتغير المناخ أو كوارث طبيعية حدثت في الآونة الأخيرة.
وتلقي حملة للجنة الدولية للصليب الأحمر بعنوان “حول مائدة طعام رمضان”، الضوء على تأثير انعدام الأمن الغذائي على موائد الإفطار في هذا الشهر على مستوى المنطقة.
في قطاع غزة المحاصر، قال مواطنون إن ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن زاد الطلب على الخيارات النباتية مثل الفلافل.
ويقول طارق شراب بائع الفلافل إن كمية الفلافل التي يمكن شراؤها مقابل شيقلين (0.54 دولار) تكفي لإطعام أسرة بأكملها.
وأضاف: “إقبال الناس أنا اعتبره جيدا بالنسبة للفلافل لأن الناس ليس لديها إمكانية لشراء اللحوم والأسماك والدجاج، بشيقلين فلافل تفطر عائلة كاملة من 7 أشخاص لكن شراء دجاجة للعائلة يكلف 25 شيقلا، الوضع الاقتصادي صعب جدا وعام بعد آخر يزداد الوضع سوءا”.
ويعاني اقتصاد القطاع تحت وطأة الحصار الإسرائيلي ويجد صعوبة لإعادة البناء في ظل الصراع الممتد لسنوات.
ولا يختلف الوضع كثيرا في العراق، الذي أحيا الشهر الماضي ذكرى مرور 20 عاما على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، وشهدت البلاد بعده عنفا وخاض حربا ضد تنظيم داعش.
الضُلمة طبق شهير في العراق مصنوع من الخضر والأرز واللحم، لكن تكلفة أعداده لم تعد في متناول يد كثيرين.
تبيع حنين علي قاسم الضُلمة في شارع الفراهيدي الشهير في البصرة بعد الإفطار خلال شهر رمضان للزبائن الذين يفدون إلى شارع الكتاب للتنزه بعد الإفطار.
وقالت حنين: “الموائد تكلفتها صارت غالية على الإنسان البسيط الذي ليس عنده دخل أو دخله محدود، الذي ليس لديه راتب، عائلتنا كلها بدون راتب، نعيش الحمد لله والشكر على صناعة الضُلمة، على الأعمال اليدوية”.
وزادت تكلفة تحضير طبق من الضُلمة بالنسبة لحنين قاسم هذا العام بنحو الخمس عن سعر العام الماضي. وتصر على استخدام جميع المكونات المكلفة لإعداد الوجبة وتبيع الآن عددا أقل من قطع الضُلمة بنفس سعر العام الماضي.
وأوضحت: “لا نقدر على تقليل المواد التي نضيفها للضلمة، لا نقدر لأن ذلك يقلل من طعمها ونكهتها، فأبقينا على المواد ونكهتها ولكن عندما نبيع بألف نبيع كام قطعة نزيل نشيل من عندها قطعة تقريبا”.
لكن ربة المنزل السورية ميادة سليمان (42 عاما) التي لجأت إلى خدمة إعداد الوجبات لإعالة أسرتها، أصبحت وجبة المحشي الشبيهة بالضُلمة عالية التكلفة لدرجة أنها قررت الاستغناء عن اللحم عند تحضيرها.
تقول ميادة: “من سنة بطلت إني أستخدم اللحمة من ساعة بلشت الأسعار ترتفع، كان الواحد بيجيب هلق لا بحط مكعبات الماجي”.
وقفز سعر كيلو اللحم من 30 ألف ليرة سورية (حوالي 12 دولارا) العام الماضي إلى 80 ألف ليرة هذا العام (31.85 دولار).
وبدأت ميادة سليمان في استخدام مكعبات المرقة الجاهزة بدلا من اللحوم لتحضير الوجبة بأسعار معقولة لأسرتها وزبائنها.
وأردفت: “السنة الماضية كنا نطبخ أكثر من طبخة طبختين مقبلات شوربة وشغلات، هاي السنة لا، هاي السنة وجبة واحدة مثلا نطبخ طبخة كبيرة عشان تكفينا يومين ثلاثة بسبب الوضع”.
وفي اليمن، يستمتع المواطنون بشهر رمضان هادئ للمرة الأولى منذ ثماني سنوات بفضل اتفاق هدنة بوساطة الأمم المتحدة، والذي انتهى سريانه في أكتوبر تشرين الأول لكنه صامد إلى حد كبير.
إلا أن موائدهم ما زالت تفتقر إلى المواد الغذائية الأساسية بعد صراع وحصار لسنوات، إذ يعيش غالبية السكان على وجبة واحدة فقط في اليوم، بحسب المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأدنى والأوسط إيمان الطرابلسي.
وقالت إيمان: “بالنسبة للمناطق والدول التي تعيش نزاعات قائمة الأسباب التي تؤدي إلى المزيد من التدهور والعجز الغذائي هي مختلفة ولكنها تتضافر. جزء كبير منها يعود إلى التداعيات المباشرة للنزاع وتدهور القطاع الزراعي وبالتالي تدهور قدرة السكان محليا على الحصول على احتياجاتهم الغذائية ولكن مناطق النزاع في المنطقة العربية اليوم تعيش أثرا مضاعفا وتحديات مضاعفة تتعلق بصفة خاصة بالتغيرات المناخية”.
وأضافت: “نحن لا نتحدث اليوم فقط عن اختفاء أصناف أو اختفاء أطباق نحن نتحدث عن قدرة الناس والملايين من الأشخاص في هذه المناطق المعرضة أو المتأثرة بنزاعات قائمة أو سابقة، على سد رمق أبنائهم والجوع بصفة يومية”.
وتابعت قائلة: “ارتفاع الأسعار والأزمات الاقتصادية التي تؤثر على الحياة اليومية لسكان هذه المناطق المتأثرة بالنزاع بالفعل، تؤثر على الحياة اليومية على مدى قدرتهم على توفير ليس فقط أصناف معينة من الغذاء بل الغذاء بصفة عامة، أعطيك مثال اليمن، السكان في اليمن يعتمدون على وجبة واحدة في اليوم” .